رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ إذ لا يَحتمِلُ أنْ يَرى الحقَّ (١) لنفسِه في زمن أبي بكر رضي اللَّه عنه، ثمَّ يتركَ طلبَها، وفيه تضييعُ حقِّ اللَّه عليه، مع قوله: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (٢).
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: {يُجَاهِدُونَ} بنفوسِهم باستدامةِ الطَّاعات، وبقلوبِهم بقطعِ المنى والطَّلبات، وبأرواحهم بحذفِ العِلاقاتِ، وبأسرارِهم بالاستقامةِ على الشُّهودِ في دوام الأوقات (٣).
* * *
(٥٥) - {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} نهى عن موالاةِ الأعداء، وأَخبَرَ أنَّ وليَّهم هو اللَّهُ الذي يتولَّى مصالِحَهُم ومراشِدَهم، ويَأمرُ رسولَهُ أنْ يَتولَّاهم بالنَّصيحةِ والدُّعاءِ إلى طاعة اللَّه وطلبِ مرضاتِه، ورَسولُهُ يَأمرُ المؤمنين بأنْ يتولَّوهم بالشفقةِ (٤) والمعاونة على التَّقوى والطَّاعة.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وهذا من صفاتِ الذين آمنوا.
قوله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ أي: هم خاشعون للَّه، مع استكثارِهم نوافلَ الصَّلوات والصَّدقات.
ورويَ أنَّ الآيةَ نزلَت في عليٍّ رضي اللَّه عنه، تَصدَّق بخاتَمه في ركوعِه، فعلى هذا يكون قوله: {وَهُمْ} واو الحال، وظاهرُه العموم.
(١) في (ف): "الأمر".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥٤٢ - ٥٤٣).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٣٣).
(٤) بعدها في (ر): "والمعونة".