الطَّاغوت، وهو ما عُبِدَ مِن دونِ اللَّه، وجَعَلَهُم بطاعتِهم أحبارَهُم ورهبانَهم فيما أَمروهُم به مِن معصيةِ اللَّه عابدينَ لهم، كما قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} التوبة: ٣١.
وقيل: أراد بهِ عبادةَ العجلِ.
وقيل: أراد بـ {الطَّاغُوتَ} كعبَ بنَ الأشرف، كما قلنا في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} النساء: ١٦٠.
وقرأ حمزة: {وعَبُدَ الطَّاغوتِ} بفتح العينِ وضمِّ الباء ونصبِ الدال وخفضِ تاء {الطَّاغوتِ} على الإضافة (١)، والصَّحيحُ من وجهِ قراءته أنَّه أرادَ به جمعَ العبد، يقال: عبدٌ وعبيدٌ وعُبُدٌ جمع الجمعِ، وهو كقولهم: السَّرير والسُّرُر، ثمَّ نُقِلَت ضمَّة العينِ فتحًا؛ لئلَّا يجتمع ضمَّتان، ومعناه: وجعلَ منهم عبدةَ الطَّاغوتِ؛ على الإضافة.
وقرأ بعضُهم: (عُبَّدَ الطَّاغوت) (٢)، وهو جمع عابد.
وقوله تعالى {أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} أي: هؤلاء الذين هذه صفاتُهم أردأُ منزلةً، وأبعدُ عن قصدِ الطَّريق -وهو الهدى- ممَّن قلتم.
ثمَّ ذكر في أول الآية {بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ}، وقال في آخرها: {شَرٌّ مَكَانًا}، وقال: {وَأَضَلُّ}، ولا شرَّ ولا ضلالَ في المؤمنين، فكيف يكون الفريقُ الآخرُ شرًّا منهم وأضلَّ منهم؟! ومعناه: أنَّه أرادَ به أنَّ حالَكُم شرٌّ مِن حالِ مَن ظننتُم أنَّه في شرِّ حالٍ، وهو ما فيه المؤمنون مِن الفقرِ والضُّرِّ.
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٤٦)، و"التيسير" (ص: ١٠٠).
(٢) نسبها ابن خالويه في "مختصر في شواذ القرآن" (ص: ٤٠) للأعمش، ونسبها ابن جني في "المحتسب" (١/ ٢١٤) لابن عباس رضي اللَّه عنهما.