وقوله تعالى: {ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أي: كيف يُصرَفون عن الحقِّ؟! وهذا تَعجيبٌ مِن اللَّه في ذهابِهم عن الفرقِ بين الرَّبِّ والمربوب.
* * *
(٧٦) - {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
وقوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} استفهامٌ بمعنى التَّوبيخ؛ أي: إذا كان المسيحُ وأمُّه يَحتاجان إلى ما يُقيمُهما، لم يَملِكا لأحدٍ ضرًّا ولا نفعًا إلَّا بإذن مالكِهما، كسائر المربوبين، فكيف يعبدان؟!
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}؛ أي: يَسمعُ مقالاتِ (١) النَّصارى، ويَعلمُ اعتقاداتِهم، فيُجازِيهم جزاء مثلهم، وهذا وعيد.
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: تعليقُ القلبِ بدون الرَّبِّ في استدفاع الشَّرِّ واستجلابِ الخير: إمضاءُ الوقت بما لا يُجدِي، وإذهابُ العمرِ فيما لا يُغني؛ إذ المتفرِّدُ بالإيجادِ بريءٌ عن الأنداد (٢).
* * *
(٧٧) - {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
وقوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ}؛ الغلوُّ:
(١) بعدها في (ف): "من".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٤١).