خمسةُ رهبانٍ وسبعةُ قِسِّيسين، ففيهم نزلَت هذه الآيةُ (١).
وقوله: {تَرَى أَعْيُنَهُمْ} خطابٌ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقوله: {تَفِيضُ}؛ أي: تَسيلُ، والدَّمعُ: ماءُ العين، والمدامِع: مجاري ماءِ العين، وقد رَوينا أنَّ هذا في النَّجاشيِّ وأصحابِه حيث (٢) سمعوا بالحبشة قراءةَ جعفرٍ فبكوا، فعلى هذا يكونُ قوله: {تَرَى} خطابًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، على تقدير: لو أنَّك كنتَ معهم لرأيتَ ذلك، أو يكون {تَرَى} بمعنى: تعلمُ وتتيقَّنُ بذلك بإخبارِ اللَّه تعالى إيَّاك به.
وقوله تعالى: {مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} بكوا حين عرفوا الحقَّ لمعنيين؛ إمَّا فرحًا بنَيلِ الإيمان، وإمَّا خوفًا مِن اللَّهِ تعالى بتأخيرِ الإيمان إلى الآن.
وقوله تعالى: {يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا}؛ أي: آمنَّا يا ربَّنا بك وبرسولِك وبكتابِك.
وقوله تعالى: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: أي: اكتبنا مع محمَّدٍ وأمَّته؛ الذين جعلتَهُم يومَ القيامة شُهداءَ على النَّاس، نَشهدُ بمثل ما يَشهدون به يوم القيامة؛ أنَّه قد بلَّغَ وأنَّ الأنبياءَ قد بلَّغوا (٣).
وقيل: أي (٤): شهِدنا بأنَّه الحقُّ، {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} بهذه الشَّهادةِ؛ أي: ألحِقنا بهم، واجعلْ أسماءَنا في صحفِ ملائكتكَ مع أسمائِهم.
* * *
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٥٩٦، ٦٠١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١١٨٤) (٦٦٧٥).
(٢) في (ف): "حين".
(٣) وقع بعده في (أ): "وقيل: أي نشهد"، والأثر رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٦٠٣ - ٦٠٤)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١١٨٥) (٦٦٨٢).
(٤) بعدها في (ف): "قد".