وقوله تعالى: {إِذَا حَلَفْتُمْ} وأضمر فيه: وحنثتم، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أضمر فيه: فأفطر، وأجمعوا أنَّه لا يَجِبُ التَّكفيرُ بنفس اليمين ما لم يَحنَث فيها، واختلفوا في جوازه، فأجازه الشافعيُّ بالمال (١)، وأصحابُنا لم يجيزوا ذلك لا بالمال ولا بالصوم.
وقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قيل: أي: فلا تنسوها.
وقيل: أي: فلا تَحْنَثوا فيها.
وقيل: أي: فأقِلُّوا منها، واحفظوا أنفسَكم عنها، قال كثير عزة:
قليلُ الألايا حافِظٌ ليَمينه... وإن بدرت منه الأليَّةُ برَّتِ (٢)
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}؛ أي: كما بيَّنَ حكمَ اليمين، بيَّن سائرِ الأحكام؛ لتَشكروا نعمَهُ ببيانِ ما بكم إليه حاجةٌ.
وقيل: {تَشْكُرُونَ} نعمةَ رفعِ الإثم بيمين اللَّغو، وكان الأوَّلون مأخوذين بها، وكذلك شرَعَ لكم التَّحليل بالكفَّارةِ في اليمين على ما يكونُ الخيرُ في غيرِه، وكذلك رفعَ إثمَ الحنثِ بالكفَّارة، ولم يكن ذلك للأوَّلين.
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: اللَّغوُ عند أهل المعرفةِ: ما يَجري على ألسنتِهم في حال غلباتِ الوجد، مِن تجديد العهدِ، وتأكيدِ العقد، فيقول: وحقِّك، لا نظرتُ إلى سواك، ولا قلتُ بغيرِك، ولا حُلْتُ عن عهدِك، وهذا كلُّه عندَهم لغوٌ،
(١) انظر: "منهاج الطالبين" (ص: ٥٤٥).
(٢) البيت لكثير عزَّة، وهو في "نقائض جرير والأخطل" (ص: ٤٩)، و"ديوان كثير" (ص: ٣٢٥)، وفيهما: "سبقت" بدل: "بدرت". وسلف البيت عند تفسير الآية (٢٢٤) من سورة البقرة.