وقيل: هو العذابُ في الآخرة مع الكفَّارةِ في الدُّنيا إذا لم يتب منه؛ لأنَّ الكفَّارةَ لا تَرفعُ الذَّنْبَ عن المُصِرِّ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما والكلبيُّ ومقاتلُ بنُ حيَّان: كان ذلك عام الحُديبية حين انطلقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معتمرًا، فكانَت الوحشُ والطَّيرُ والصَّيدُ تَغشاهُم في رِحالِهم، لم يَروها قطُّ كذلك فيما خلا، فنَهاهُم عن أخذِها وهم مُحرِمون (١).
* * *
(٩٥) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} هو جمعُ حَرام، وهو الذي أحرمَ بحِجَّةٍ أو عمرةٍ، وهو أيضًا الذي دَخل الحرمَ، والنَّهيُ يَتناولُهما جميعًا، {وَأَنْتُمْ} الواو للحال، نَهى عن قتل الصَّيدِ في هذه الحالة، وهو في الحقيقةِ نهيٌ عن التَّعرُّض للصَّيدِ بكلِّ وجهٍ.
وخصَّ القتلَ بالذِّكر؛ لأنَّه هو معظمُ المقصود في الاصطياد، وسمَّاهُ قتلًا لا ذبحًا؛ لبيان أنَّه وإنْ ذبحَهُ لم يَحِلَّ، كما لو قتَلَهُ، والصَّيدُ أصلُه مصدرٌ، والمرادُ به هاهنا المَصِيد؛ لأنَّ القتلَ إنَّما يكونُ فيه، والمرادُ مِن الصيدِ ما يُقصدُ اصطيادُه، فهو اسمٌ له قبلَ وقوعه فيه باعتبارِ العاقبة، ثمَّ هو اسمٌ للوحشيِّ الممتنعِ بقوائمِه أو جناحَيه.
وقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أوجبَ الجزاءَ في
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٢٠٤) (٦٧٨٩) عن مقاتل بن حيان.