وقال داودُ بنُ علي: لا جزاءَ عليه في الثَّانية والثَّالثة؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أوعدَ عليها الانتقامَ، وهو عقوبةُ الآخرةِ لا غير.
وعند عامَّةِ العلماء: يجبُ فيه الجزاءُ؛ لعمومِ قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}؛ فأمَّا الانتقامُ فقد بيَّنَّا أنَّه يَجوزُ أن يكون عبارةً عن الكفَّارة.
وتأويلٌ آخرُ ذكرَهُ عطاءٌ قال: كانوا يَستحِلُّونَ في الجاهليَّةِ قتلَ الصُّيود في حالةِ الإحرام، فقال اللَّه تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} في الجاهليَّة بالإسلام، {وَمَنْ عَادَ} بعد الإسلام مستحلًّا، فاللَّهُ عزَّ وجلَّ يَنتقِمُ مِنه في الآخرة (١).
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}؛ أي: منيعٌ لا يُغالَبُ، منتقِمٌ ممَّن خالفَه لا يُعارَضُ.
وقال الإمام القشيريُّ رحمَهُ اللَّه: حرَّمَ اللَّهُ تعالى الصَّيدَ على المُحرمِ الذي قصدَ زيارةَ البيتِ، والإشارةُ فيه أنَّ مَنْ قصد بيتَنا فيَنبغي أن يكونَ للصَّيدِ منه أمانٌ، ولا يَتأذَّى به حيوانٌ؛ فإنَّ البَرَّ مَن لا يُؤذي الذَّرَّ، ولا يُضمِرُ الشَّرَّ، وكما أنَّ الصَّيدَ حرامٌ على المحرمِ إلى أن يَتحلَّلَ، فكذلك الطَّلبُ والطَّمعُ والاختيارُ حرامٌ على العارفِ ما دام مُحْرِمًا بقلبِه، فإذا قَتلَ الصَّيدَ فعليه الكفَّارةُ، وإذا لاحظَ العارِفُ الأغيارَ، أو طمعَ في شيءٍ، أو اختار، لزمَتْهُ الكفَّارةُ، لكن لا يُكْتَفى منه بجزاءِ المثلِ، ولا بأضعافِ ما تَصرَّف فيه، لكنَّ كفَّارتَه تَجرُّدُه عن كلِّ خيرٍ؛ قلَّ أو كثُرَ، صغَر أو كبُر (٢).
* * *
(٩٦) - {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وهو ما يُولَد ويَنشأ في الماء، والبَطُّ والنُّحام (٣)
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٧١٣ - ٧١٤).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٤٨ - ٤٤٩).
(٣) في (ر) و (ف): "اللحام"، وهو تحريف. والنُّحام بضم النون طائر كالإوز. انظر: "القاموس المحيط" (مادة: نحم).