وقوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ}؛ أي: سألوا آياتِ الاقتراح، كقوم صالحٍ سألوا النَّاقةَ، ثمَّ كفروا بها وعقروها، وقومِ طالوت قالوا لنبيهم: ابْعث لنا ملِكًا نقاتلْ في سبيلِ اللَّه، فلمَّا كُتِبَ عليهم القتالُ تولَّوا إلَّا قليلًا منهم، وقومِ عيسى سألوا المائدةَ فقال لهم: اتَّقوا اللَّهَ إن كنتُم مؤمنين، ثمَّ كفروا بها.
وقيل: أي: سألوا، فلمَّا أُخبِروا بما كرِهوا، كذَّبوا الرُّسل.
وقيل: سألوا البيانَ، فلمَّا بيَّن لهم لم يَعملوا به، وكانوا شدَّدوا على أنفسِهم، كأصحابِ البقرةِ، فلمَّا شدَّد عليهم تَركوا.
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمَه اللَّه: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}؛ أي: إذا أسبل عليكم سترَ اللُّطفِ، فلا تَتعرَّضوا لعلمِ ما أخفي عنكم، فيَتنغَّصَ بالتَّحسُّر عليكم عيشُكم.
ويقال: لا تَتعرَّضوا للوقوفِ على محلِّ الأكابر، ولا تستوجبون ذلك، فيَسوؤكُم تقاصرُ رُتبتِكُم.
وقوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} توهَّم قومٌ أنَّهم مُحرَزون عن التَّأثُّر (١) فيما يُصادِفُهم مِن فجأة المقادير، وذلك منهم ظَنٌّ، كما قال بعضهم:
تَبيَّن يومَ البينِ أنَّ اعْتِزامَه... على الصَّبر مِن إحدى الظُّنونِ الكواذبِ (٢)
* * *
(١) في (ف): "التقاصر".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٥١). والبيت لعبد اللَّه بن طاهر كما في "الأغاني" (٥/ ٤١٣) (مصورة الهيئة المصرية للكتاب)، و"تاريخ دمشق" (٢٩/ ٢١٧ - ٢١٨).