فأمَّا قوله: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ أي: مع مغفرتك أنت العزيزُ الحكيم، و {الْعَزِيزُ} في صفة الخَلق: المنتقمُ، وظهورُ العزِّ في الانتقام، فيقول هاهنا: عِزُّك ظاهرٌ، وسلطانُكَ قاهرٌ، وبرهانُك باهرٌ، مع عفوِك عن عبادِك، ومغفرتِك ذنوبَ خلقِك، وعفوُ ملوكِ الدُّنيا قد يكونُ لضعفٍ وعجزٍ، وعفوك لا يكونُ إلَّا لفضلِك وإحسانِك (١)، وكمالِ قدرتِك وسلطانِك، فأنت حكيمٌ في كلِّ أمورِك.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} المعِزُّ لهم بمغفرتِك لهم.
وقيل: {الْعَزِيزُ} الذي لا يضرُّك ذنوبُهم.
وقيل: {الْعَزِيزُ} القادرُ على الانتقامِ منهم، والعفوُ عن (٢) القدرة سِمَةُ الكرم.
وقيل: {أَنْتَ الْعَزِيزُ}؛ أي: أعزُّ مِن أنْ يَتجمَّل بطاعةِ مطيعٍ، أو يتضرَّر بزلَّة عاصٍ، {الْحَكِيمُ} تَضعُ كلَّ شيءٍ موضعَهُ (٣).
* * *
(١١٩) - {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
وقوله تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} قرأ نافع (٤): {يَوْمُ} بالنَّصب على الظَّرف؛ أي: يقولُ اللَّه للأنبياء: {مَاذَا أُجِبْتُمْ}، ولعيسى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} في يوم القيامة.
(١) من قوله: "وعفو ملوك الدنيا" ليس في (أ).
(٢) في (ف): "عند".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٥٨).
(٤) في (ف): "عاصم".