وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: أعطيناكُم ما لم نُعطِ (١)، يعني: وسَّعنا (٢) عليكم في كثرةِ العبيد والمال والأنعام، ومكَّنتُهُ، ومكَّنتُ له، إذا قدَّرتُه على الشَّيء.
وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا}؛ أي: السحابَ دارًّا بالمطرِ، فكَثُرَت غلَّاتُهم، ونَمَت مواشيهِم.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ}؛ أي: كثُرَت مياهُ الأنهارِ بكثرةِ الأمطار، وتَفجَّرت العيون.
وقوله: {مِنْ تَحْتِهِمْ}؛ أي: من تحتِ أشجارِهم.
وقيل: أي (٣): تحت تَصرُّفِهم، وكانوا يُجرونَها حيث شاؤوا في السَّواقي إلى المزارع وإلى الحدائق.
وقيل: أي: من تحت قصورهم، وهم مشرفون عليها، يَنظرون فيها.
وقوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}؛ أي: بتكذيبِهم أنبياءَهم، وبكفرانِهم نعمَ اللَّه، ولم يُغنِهم ذلك، ولم يَدفعْ عنهم العذابَ.
وقوله تعالى: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} جمعَ للمعنى؛ لأنَّه اسمٌ للطَّائفة ونحوها، أي خلقنا بعدَهم قومًا آخرين، فليَحذروا أنْ يَنالَهم مثلُ ما نال أولئكَ إذا فعلوا فعلَهم.
وإنَّما قال: {أَلَمْ يَرَوْا} مع أنَّهم لم يدركوهم؛ لأنَّه عنى به أقوامًا قد تَقرَّرَ عندهم أخبارُهم؛ مِن عادٍ وثمودَ وأصحابِ مدين ونحوهم (٤)، فصارَ كأنَّهم شاهدوهم.
(١) لم أقف عليه عن ابن عباس، رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (٧٧٥)، ومن طريقه الطبري (٩/ ١٥٦ - ١٥٧)، وابن أبي حاتم (٤/ ١٢٦٣) (٧١١٠)، (٧١١١) من قول قتادة.
(٢) في (أ): "يعط يعني وسعت" بدل من "نعط، يعني: وسعنا".
(٣) بعدها في (ر): "من".
(٤) في (أ): "وغيرهم".