عن معارضَتِك؛ لأنَّك من غير جنسنا، لا أنَّه آيةٌ مِن اللَّه، وإذا لم يَجُز أنْ يَكونَ على صورة مَلَك، لهذا وجبَ أن يُجعَلَ في صورةِ رجلٍ، ثمَّ لهم أنْ يَسألوا الدِّلالةَ أنَّه مَلَكٌ جُعِلَ رجلًا.
وقوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} ولوقعَ الالتباسُ هاهنا كما يَقعُ في إرسالِ البشر، واللَّبْسُ والتَّلبيسُ: تَخليطُ الأمرِ وإضافتُه إليه، على معنى أنَّهم لا يُنكِرون في محمَّدٍ أنَّه بَشَرٌ، ويُنكِرونَ أنَّه رسول، ولو أُنزِلَ مَلَكٌ في صورة رجلٍ، لأنكروا رسالتَه، وأنكروا كونَهُ مَلَكًا، وكان ذلك بإنزالنا، فيكونُ اللَّبسُ منَّا حينئذٍ.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ولا يجوزُ إضافةُ اللَّبسِ إلى اللَّه تعالى ابتداءً، ويَجوزُ على وجهِ المجازاة، كما في الاستهزاءِ والمكرِ والخِداع (١).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: أخبرَ اللَّهُ تعالى عن كمالِ قدرتهِ في ابتداءِ ما يُريدُ لخليقتِه، وأنَّه بعد ما قضى لهم الضلال، فلو أشهدهَم كلَّ دليلٍ، وأوضحَ لهم كلَّ سبيلٍ، ما ازادوا إلَّا تماديًا في الضلال والنُّفرةِ، وانهماكًا في الجهلِ والفتنة (٢).
* * *
(١٠) - {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} قال الزَّجَّاج: أي: نزلَ بهم مكروهٌ من جهةِ فعلهم، وقال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} فاطر: ٤٣ (٣).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢٧ - ٢٨).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٦٢).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٢٣١).