وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أنَّه إذا أُنزِلت الآيةُ الاقتراحيَّةُ ولم يُؤمنوا، استؤصلوا، ومحمَّدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- نبيُّ الرَّحمةِ، فلا استِئصالَ في زمانِه.
ويَحتمل {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أنَّ اللَّهَ لا يُنزِلُ الآية إلَّا عند الحاجةِ بهم إليها، ولا حاجة إليها، فقد نَزلَت الآياتُ العقليَّةُ والسَّمعيَّةُ والحِسِّيَّةُ؛ أي: القرآنُ، والإخبارُ عن الكائنات، وتكثيرُ الطَّعامِ والشَّراب.
وقيل: {لَا يَعْلَمُونَ}؛ أي: لا يَطلبون ذلك للعلمِ، بل للتَّعنُّتِ (١).
* * *
(٣٨) - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: حيوانٍ يَدِبُّ على وجه الأرض.
وقوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} هو للتَّأكيد والتَّحقيق، فإنَّ الطَّيران قد يُستعمَلُ للسُّرعةِ مجازًا، فذِكرُ الجناحين لإثباتِ حقيقةِ الفعل.
وقوله تعالى: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}؛ أي: أصنافٌ، وقد ذكرنا وجوهَ الأُمَّة عند قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} آل عمران: ١١٠.
وقوله تعالى: {أَمْثَالُكُمْ} قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: أي: سيحشرون (٢) يومَ القيامة كما تُحشرون أنتم (٣)، ثمَّ يُقتَص
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٧٨).
(٢) في (أ) و (ر): "ستحشر"، والمثبت موافق للمصدر.
(٣) "أنتم": ليس من (أ).