الآيةُ في مشركي العرب؛ لأنَّ الآياتِ التي قبلَها وبعدها فيهِم، والسُّورةُ في محاجَّة المشركِين (١).
وقال أبيُّ بن كعب: هي في أهلِ الإسلام، وقد جاء اثنانِ بعد وفاة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ ألبِسوا شِيَعًا، وأُذيقَ بعضُهم بأسَ بعضٍ، وبقيَ اثنان لا بدَّ واقعان.
وقال الحسنُ رحمه اللَّه: ثنتان في أهلِ الإسلام؛ الأهواءُ المختلفة، والقتلُ، وثنتان في أهل الشِّرك مِن أهل الكتاب، وهما الخسفُ في الأرض، والحجارةُ مِن السَّماء.
وقال في قولِه: {أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}: يَحتملُ إسقاطَ السَّماءِ عليهم، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} طيَّ الأرضِ من تحتِكم وخسفكم (٢).
والآية حجَّةٌ في خلقِ أفعال العباد.
ورويَ أنَّ خبابَ بنَ الأرتِّ قال: رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلةً يُصلِّي، فلمَّا فرغَ قال: قلتُ له وقت الصُّبح: لقد رأيتُك تُصلِّي صلاةً ما رأيتُكَ صلَّيتَ (٣) مثلها! قال: "أجل، إنَّها صلاةُ رغبةٍ ورهبة؛ سألتُ ربِّي فيها ثلاثًا، فأعطاني ثِنتين، وزوى عنِّي واحدةً؛ سألتُه ألَّا يُسلِّطَ على أمَّتي عدوًّا مِن غيرِهم، فأعطاني، وسألتُه ألَّا يُرسِلَ عليهم السَّنةَ فتَقتلَهُم جوعًا، فأعطاني، وسألتُه ألَّا يَجعلَ بأسَهم بينَهم، فزواها عني" (٤).
وقال الكلبيُّ: لمَّا نزلَت هذه الآيةُ، شَقَّتْ على النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مشقَّةً شديدةً، فقال: "يا جبريل، ما بقاء أمتي على ذلك؟ " فقال: إنَّما أنا عبدٌ مثلُك، فادع ربَّك، وقام
(١) القول في "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١١١) عن أبي بكر الأصم.
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١١١ - ١١٣، ١١٦).
(٣) في (ف): "تصلي".
(٤) رواه الترمذي في "سننه" (٢١٧٥)، والنسائي في "سننه" (١٦٣٨)، والطبري في "تفسيره" (٩/ ٣٠٤).