وقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} قال مجاهدٌ رحمه اللَّه: الآيةُ نزلَت (١) في مشركي قريش؛ لمَّا قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}، قالوا: ما أرسل اللَّه رسولًا ولا أنزل كتابًا، فقال اللَّه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.
وقال أبو العالية: وما وصفوا اللَّه حقَّ صفته (٢).
وقيل: أي: وما عرفوه حقَّ معرفتِه.
وقيل: أي: وما عظَّموه حقَّ تعظيمه.
وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ}؛ أي: قل يا محمَّد للمشركين هذا الكلام، فإنَّهم وإنْ كانوا لا يؤمنون بموسى والتَّوراة، فإنَّهم يَرجعون إلى أهلِ الكتابِ في كثيرٍ مِن أمورِهم، ويُصدِّقونَهم فيها.
وقوله تعالى: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ (٣) كَثِيرًا} قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عمرو بياء المغايَبةِ فيها (٤)، خبرًا عن أهلِ الكتاب أنَّهم يَجعلون التَّوراةَ صحفًا وكتبًا.
والقراطيس: جمعُ قِرْطاس، وهو الكتابُ والصَّحيفة، وقد قرطسَ؛ أي: كتبَ، وقال زهير:
بها أخاديدُ من آثارِ كاتبِها... كما تردَّدَ في قرطاسِهِ القلمُ (٥)
(١) لفظ: "نزلت" من (أ).
(٢) انظر: "التفسير البسيط" للواحدي (٨/ ٢٧٤).
(٣) في (أ): "تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون"، وهما قراءتان متواترتان.
(٤) وقرأ الباقون بالتاء فيها. انظر: "السبعة" (ص: ٢٦٢)، و"التيسير" (ص: ١٠٥).
(٥) كذا نسبه لزهير الماورديُّ في "النكت والعيون" (٢/ ٩٥)، ولم أقف عليه في "ديوانه"، والراجح أنه لعدي بن الرقاع، وهو في "ديوانه" (ص: ١١٦)، وفيه وفي "النكت والعيون" "ساكنها" بدل: "كاتبها"، وهو الصواب.