(٩٢) - {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} البرَكةُ: ثبوتُ الخيرِ على الازدياد، قال الشاعر:
ولا يُنجي مِن الغَمَراتِ إلَّا... بُرَاكاءُ القتالِ أو الفرارُ (١)
أي: الثّبوت للقتال؛ يعني: وهذا القرآنُ كتابٌ كثيرُ الخيرِ، موافِقٌ للتَّوراة التي كانَت قبلَه، وكانت {نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} وقد أنزلناهُ عليك.
قوله تعالى: {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}؛ أي: ولتُخوِّفَ أهلَ مكَّة، فأضمرَ الأهل، كما في قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يوسف: ٨٢ وسُمِّيَت مكَّةُ أمَّ القرى؛ لأنَّها مجتَمَعُ أهلِ القُرى، كما تَجتمِعُ الأولاد إلى الأمِّ.
وقال السُّدِّيُّ: لأنَّها أوَّلُ بيتٍ وُضِعَ (٢)، فكأنَّ القُرى تنشَّأت عنها.
وقال الزجاج: لأنَّها معظَّمةٌ عليها كتعظيم الأمِّ (٣).
وقيل: هي من الأَمِّ، وهو القصدُ؛ لأنَّها مقصِدُ الخلقِ.
{وَمَنْ حَوْلَهَا} من البلاد والبوادي؛ أي: لإنذارِ أهل مكَّة ومَن حولَهُم مِن سكانِ كلِّ المواضع أنزلناه، دلَّت الواوُ على إضمار ذلك في آخره، كما في
(١) البيت لبشر بن أبي خازم، وهو في "ديوانه" (ص: ٧٩). والبراكاء -بفتح الباء وضمها-: الثبات في الحرب والجدّ. انظر: "لسان العرب" و"تاج العروس" (مادة: برك).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٤٠٣ - ٤٠٤)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٣٤٥) (٧٦١٦).
(٣) نص قول الزجاج في "معاني القرآن" له (٢/ ٢٧١): سميت أمَّ القرى لأنها كانت أعظم القرى شأنًا.