وقال الحسن: هذا في النار (١)، ومعنى قوله: {فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ}؛ أي: في شدائد العذاب، ولم يُردْ به حقيقةَ الموت، وهو كقوله تعالى: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} إبراهيم: ١٧، وعلى هذا قوله: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}، وله وجهان دون إخراج الأروح:
أحدهما ما حكيناه عن الحسن: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} مِن هذه العقوبات.
والثاني: بمعنى لاقوا شِدَّة العذاب، كما يُقال للواقع في الشِّدَّة والغيظ: أخرج نفسَك، وانْزِع روحَك.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه في قوله: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}: إنَّ الذين يَتنزَّلون منزلةَ المحدَّثين، ولم يلق إلى أسرارهم خصائصُ الخطاب، فالحقُّ سبحانه وتعالى عنهم (٢) بريء، والمتشبِّعُ بما لم يَنَل، كلابس ثوبَي زورٍ -كما روي (٣) -، وأنشدوا في معناه:
إذا اشتبكت دموعٌ في خدود... تبيَّنَ مَنْ بكى ممَّن تباكى (٤)
* * *
(٩٤) - {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
(١) انظر: "التفسير البسيط" للواحدي (٨/ ٢٩٠).
(٢) في (ر): "منهم".
(٣) رواه البخاري في "صحيحه" (٥٢١٩)، ومسلم في "صحيحه" (٢١٣٠) من حديث أسماء رضي اللَّه عنها.
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٨٩)، والبيت للمتنبي، وهو في "ديوانه" (بشرح المعري) (٤/ ٤٢١).