وقوله تعالى: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}؛ أي: لم يؤمنوا برؤيةِ هذه الآيات إلَّا أنْ يشاءَ اللَّه إيمانَهم فيؤمِنوا، فدلَّ على عنادِهم.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ودلَّ هذا على أنَّ الآيةَ وإن عظُمت، فإنَّها لا تَضطرُّ إلى الإيمان، فلا آيةَ أعظم مِن قيام السَّاعة، واللَّهُ تعالى يقول: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} الأنعام: ٢٨، ويكون معنى قوله: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} الشعراء: ٤؛ أي: إنْ شاءَ اللَّه أنْ يخضعوا، لا أنَّ الآيةَ تَضطرُّهم إلى ذلك (١).
ودلَّ أنَّهم إنَّما (٢) لم يؤمنوا؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى لم يَشأ، ولو شاءَ لآمَنوا، ومَن عَلِمَ اللَّهُ مِنهم اختيارَ الكفرِ والإصرارَ عليه، شاءَ لهُ ذلك، ومَن علمَ منهُ اختيارَ الإيمانِ، شاءَ له ذلك.
وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} ولم يقل: كلهم، وإن كانت جهالةُ الكفرِ تَعمُّهم (٣)؛ لأنَّ المراد -واللَّه أعلم-: ولكنَّ أكثرَهم يَجهلون أنَّه لو آتاهُم كلَّ آيةٍ يَقترِحُونها ما آمنوا طوعًا.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: بيَّنَ أنَّ الآياتِ وإن تَوالَت، وشموسَ البُرهانِ وإنْ تَعالَت، فمَن قصمتهُ العِزَّةُ، وكَبَستْهُ القسمةُ، لم يَزِدهُ ذلك إلَّا ضلالًا، فلم يَستجِدَّ إلا للشقوةِ حالًا (٤).
وقال الكلبيُّ: هم المستهزئون بالقرآن، وهم خمسةُ رهطٍ: الوليد بن المغيرة،
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢١٨).
(٢) في (أ): "وذلك أنهم لما".
(٣) في (ف): "بعلمهم".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٩٥).