ويقال: نورٌ في البداية هو نورُ العقل، ونورٌ في الوسائط هو نورُ العلمِ، ونورٌ في النِّهايةِ هو نورُ العرفانِ، فصاحبُ العقلِ مع البُرهان، وصاحبُ العلمِ مع البيان، وصاحبُ المعرفةِ في (١) حكم العِيان.
ويقال: مَن وَجَدَ أنوارَ الغيبِ، ظهرَ له خفايا الأمورِ، ولم يُشكِل عليه شيءٌ عند ظهورِ النُّور، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتَّقوا فراسةَ المؤمنِ؛ فإنَّه يَنظرُ بنورِ اللَّهِ تعالى" (٢).
ويقال: أوَّل آيةٍ لأنوارِ الغيبِ في العبد: تنبِّهُهُ على نقائصِ قدرِه، ومساوئِ عيبِه، ثمَّ تَشاغُلُه عن شهودِ نفسِه بما يَلوحُ له مِن شهودِ ربِّه، ثمَّ غلباتُ الأنوارِ على سِرِّه، حتَّى لا يشهدَ السرَّ بعدما كان يشهد، كالنَّظرِ في قرصِ الشَّمس، يَستهلِكُ أنوارَ بصرِه في شُعاع الشَّمس، فكذلك تستهلِكُ أنوارُ البصيرة حقائقَ الشُّهود، وفيه خمود العبدِ بالكُلِّيَّة، وبقاءُ الأحديَّةِ بنعتِ السَّرمديَّة (٣).
وقوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا} قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: يعني الإسلام (٤)، وقد ذكر في الآية الأولى.
وقال ابنُ مسعود رضي اللَّه عنه: هو القرآنُ (٥)، وقد ذكر قبله بآيات (٦).
و {مُسْتَقِيمًا} نُصِب على القطع؛ لأنَّه نكرةٌ ذُكِرَت بعد معرفة.
وقوله تعالى: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}؛ أي: يتذكرون، ومعناه: يتَّعِظون.
(١) في (ف): "الحكمة مع" بدل: "المعرفة في".
(٢) رواه الترمذي في "سننه" (٣١٢٧) من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه.
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٩٩ - ٥٠٠).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٥٥٤).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ١٨٩).
(٦) في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} الآية: ١١٤.