(١٣٠) - {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}.
وقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}؛ أي: يُقالُ لهم (١) يوم يحشرون: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} استفهامٌ بمعنى الإثبات؛ أي: ما عذرُكم في الكفر، وقد أتاكم رسلٌ منكم؟ وهذا (٢) خطابٌ للجنِّ والإنس.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: اختلف فيه:
قال بعضُهم: لم يَكن مِن الجنِّ رسلٌ، إنَّما كانتِ الرُّسلُ مِن الإنس، لكنَّه أضافَ إلى الفريقين جميعًا، كما قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} الرحمن: ٢٢، وإنَّما يَخرجُ مِن أحدِهما، وهو المالحُ منهما، وكما قال: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} نوح: ١٦، وإنَّما جعلهُ في واحدةٍ منهنَّ، وكقولِ النَّاس: في سبع قبائلَ مسجدٌ واحدٌ، وإنَّما يكونُ في واحدةٍ منهنَّ.
وقال بعضهم: كان مِن الفريقين جميعًا الرُّسل، مِن الجنِّ جنِّيٌّ، ومِن الإنسِ إنسيٌّ؛ لأنَّ الجِنَّ يَستترونَ مِن الإنس، فإنَّما يُرسَلُ إلى الجنِّ رسلٌ يَظهرون لهم، فيُبعَثُ إلى كلِّ فريقٍ الرَّسولُ مِن جوهرِهم.
وقال بعضُهم: كان الرَّسولُ مِن الإنسِ إلى الفريقين جميعًا، وكان مِن الجنِّ
= حاتم عن مالك بن دينار قال: قرأت في الزبور: إني أنتقم بالمنافق من المنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعا، وذلك في كتاب اللَّه تعالى. ثم ذكر الآية. وسلف قول مالك قريبًا.
(١) بعدها في (ف): "يوم القيامة".
(٢) من قوله: "استفهام بمعنى الإثبات" إلى هنا وقع مكانه في (ف): "أي من ربكم وهو".