وقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} إن شاءَ عاجلَهم بالعقوبة، وإن شاءَ أخَّرها إلى الآخرة، وإن شاءَ وفَّقهم للرُّجوع عنها، فعفى عنهم.
وقوله تعالى: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}؛ أي: في الآخرة، ويُجازيهم على ذلك.
وقيل: هم المشركون، فارقوا دينَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكانوا أحزابًا مختلفين، كما عُرِفَ مِن اختلافهم في أمور الحج وكما اختلفوا في اتخاذ الأصنام واختيارها.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه بعد ما ذكر هذه المقالات: وقيل: هم الحَروريَّة. ولا ندري مَن هم على التَّعيين، ولا حاجةَ بنا إليه، بل الحاجةُ إلى معرفةِ وعيد الموصوفين بذلك.
ومعنى قوله: فارقوا دينهم: الدِّينَ الذي أُمِروا به، ودُعوا إليه.
وقيل: أي: الدِّينَ الذي كانوا عليه في الأصل، ثمَّ فارقوه، كما قال: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} آل عمران: ١٠٦.
ومعنى قوله: {لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}؛ أي: مِن دينِهم؛ لأنَّ دينَهُم تقليدُ آبائهم، ودينُك دينٌ بالحجج والبراهين.
وقيل: أي: لا تُسألُ عن دينِهم، ولا تُحاسَبُ عليه، كما قال: {مَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: ٥٢ (١).
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: أي: لا يَجمعُك وإيَّاهم معنى؛ أنت على حقٍّ، وهم على باطلٍ، ولا اجتماعَ للضِّدَّين (٢).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٣٣٢ - ٣٣٣).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥١٣).