وقيل: تقديره: إنذارًا وتذكيرًا، ومعناه: أُنزل إليك لتنذرَ الأعداء أنَّه سريع العقاب، وتذكيرًا للأولياء (١) أنَّه غفور رحيم وهَّاب.
وهو وجهُ انتظامِ أوَّل السُّورة بآخر تلك السُّورة، وأمَّا انتظام السُّورتين: فتلك في محاجَّة المشركين، وهذه فيها مع زيادة التَّبيين.
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: {المص} يحتمِل أن تكون هذه الحروف المقطَّعة خطابًا خاطبَ اللَّهُ تعالى بها رسلَه يفهمونها ولا يفهمها غيرُهم، على ما يكون للملوك بينهم وبين خواصِّهم إشاراتٌ يفهمونها ولا يفهمها غيرهم، ويكون ذلك بتفهيم اللَّه إيَّاهم، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} النساء: ١٠٥، فهي من المتشابه على غيرهم، وليست بمتشابهةٍ عليهم (٢).
وقال في قوله: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}: يحتمِل أنه على ألَّا يحمِّل نفسَه ما فيه هلاكه، كما قال: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} النحل: ١٢٧، وقال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فاطر: ٨، وقال في آخر هذه السُّورة: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} الأعراف: ١٩٥ (٣).
وفيه إثباتُ الأمان له من خوفِه من مكرهم وكيدهم.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}: كتابُ الحبيبِ تحفةُ الوقتِ، وشفاءٌ عمَّا يلاقيه من ألم البُعد، وهو لداء الضَّنى
(١) في (أ): "وتذكير الأولياء"، وفي (ف): "وتذكيرًا لأوليائه".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٣٤٩).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٣٥٣ - ٣٥٤).