والصورة: البِنْيةُ المخصوصة على هيئةٍ ظاهرة، وهي أحسنُ الصور، فإن الإنسان خُلق في أحسن تقويم.
{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} والخطاب للأولاد بإنعامٍ كان على أبيهم، وهو كمخاطبات بني (١) إسرائيل بما كان من أسلافهم: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} البقرة: ٦٣.
وقال الزَّجَّاج رحمه اللَّه: أي: ابتدأنا خَلْقَكم بآدم (٢).
وقال ابن عبَّاس ومجاهد والربيعُ وقتادةُ والضحاكُ والسُّدِّيُّ رحمهم اللَّه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناكم في ظهره (٣)، ثم نخبرُكم أنَّا قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم.
وقيل: معناه: ولقد قدَّرنا وجودَكم فأَوْجَدْناكم نطفةً، ثم علقةً، ثم مضغةً، ثم عظامًا، ثم كسونا العظام لحمًا، إلى أنْ أكملنا هذه الصورة التي هي في نهايةِ الحُسن، ثم نخبركم أن إكرامنا سبقَ في حقِّ أبيكم آدمَ بإسجاد الملائكة له، و {ثُمَّ} على هذا تكون لترتيب الإخبار لا لترتيب الوجود، كما في قول الشاعر:
إن مَن ساد ثم ساد أبوه... ثم قد سادَ بعد ذلك جدُّه (٤)
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما في حديث خَلْق آدم عليه السلام: ونَفَخ فيه الروحَ
(١) في (أ): "وهو كالمخاطبات لبني".
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٣٢١).
(٣) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٧٥ - ٧٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٤٤٢).
(٤) البيت لأبي نواس من قصيدة مدح إبراهيم بن عبيد اللَّه الحجبي. انظر: "ديوانه" (ص: ١٥٤)، و"الأزمنة والأمكنة" للمرزوقي (ص: ٣٦)، و"الهداية" لمكي بن أبي طالب (٣/ ١٩٥٩)، وروايته في هذه المصادر: (قل لمن ساد. . .). وتقدم عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} البقرة: ٢٨.