فاستمسكوا بحبلٍ واهٍ، فزلَّت بهم أقدامُ الغرور، فوقعوا في هذه المحنة (١).
* * *
(٢٩) - {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}.
وقوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}: أي: بالعدل، وهو التوحيدُ، لا بما قلتُم: {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}، ولمَّا كان الشركُ ظلمًا بالنصِّ كان التوحيد عدلًا.
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}: أي: وجِّهوها إلى اللَّه تعالى دون الأصنام، ومنه قول المصلِّي: إني وجَّهتُ وجهي للذي فطَر السماوات والأرضَ حنيفًا.
قوله: {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}؛ أي: موضعِ سجودٍ.
وقوله تعالى: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}: أي: واعبدوه؛ كما قال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} غافر: ١٤، وقال: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} النساء: ١١٧.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}: بلا إلهَ إلا اللَّهُ {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} إلى الكعبة حيث صلَّيْتُم.
وقال الضَّحَّاك: {بِالْقِسْطِ}: بالتوحيد (٢).
{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}؛ أي: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجدٍ فصلُّوا فيه، ولا يقولَنَّ أحدكم: أصلِّي في مسجدي، وإذا لم يكن عند مسجد فليأتِ أيَّ مسجدٍ شاء ولْيصلِّ فيه {وَادْعُوهُ}؛ أي: واعبدوه مخلِصين له العبادة.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٢٩).
(٢) انظر القولين في "تفسير الثعلبي" (١/ ٢٢٧).