قال الكلبي رحمه اللَّه: وذلك إذا مات الناس (١) كلُّهم مَطَرت السماء أربعين يومًا كمَنيِّ الرجال، فيَنْبُتون في قبورهم بذلك المطر كما يَنبتون في بطونِ أمَّهاتهم، ثم يَخرجون في النفخة الثانية (٢)، وبينهما أربعون سنة.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: في الآية إشارةٌ إلى أنه رُبَّ مهجورٍ تمادَى به الصدّ، وبَرَّحَ به الوَجْد، حتى أَنْحلَ جسمَه بل أَبطَلَ كلَّه البُعد، وحتى ظَنَّ أنه لا يستقبلُه حيث ما تَوجَّه إلا الطرد، فبينما هو كذلك إذ أتاه بَشيرُ القُرْب، وهبَّت له (٣) رياح الوَصل، فيعود عُودُ إقباله طريًّا، ويصير دارسُ حاله بعد الرثاثة قويًّا، كما قال قائلهم:
كنتُ كمَن أُلبسَ أكفانَه... وقُرِّبَ النَّعشُ من المَلْحَدِ
فجال ماءُ الروح في جسمه... فردَّه الوصل (٤) إلى المَولدِ
تبارَكَ اللَّهُ وسبحانَهُ... ما كلُّ همٍّ هوَ بالسَّرْمدِ (٥)
* * *
(٥٨) - {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.
وقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ}: أي: الأرض الحُرَّةُ الطين؛ أي: الخالصةُ الطين (٦).
(١) في (أ): "الإنسان".
(٢) في (أ): "الأخرى"، وفي (ف): "الآخرة".
(٣) في (ر): "به"، وهذه الجملة ليست في مطبوع "اللطائف".
(٤) في النسخ: "الأصل"، والمثبت من "اللطائف".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٤٢). والبيت الأخير ليس فيه.
(٦) "أي: الخالصة الطين" ليس في (أ) و (ف).