وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: إن اللَّه آتَى الرسل العلمَ بأشياءَ لم يؤتِ ذلك غيرَهم، وهو كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه آزر: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي} مريم: ٤٣ (١).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: أي: أعلمُ أني وإنْ بالغتُ في تبليغ الرسالة، فمَن لم تسبق له القسمةُ بالسعادة لا ينفعُه نصحي ولا يؤثِّر فيه قولي، فإنَّ مَن أَسقطَتْه القسمةُ لم تنعشه النصيحة.
وقال: في قوله: {لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ}: إن نوحًا عليه السلام نُسب إلى الضلالة فتولَّى إجابتهم بنفسه فقال: {يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ}، ونبيُّنا عليه الصلاة والسلام نُسب إلى ما نُسب إليه فتولَّى اللَّه الردَّ عنه فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} النجم: ٢ فشتَّان بين مَن دَفع عن نفسه وبين مَن دَفع عنه ربُّه (٢).
* * *
(٦٣) - {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
وقوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ}: الألِف للاستفهام بمعنى التوبيخ، والواو للعطف، والعَجَب: تغيُّر النَّفْس بما خَفِي سببُه، وخرج عن العادة مِثْلُه، ولمَّا كان الشيطان زيَّن لهم عبادةَ الأصنام عَجِبوا من نهي نوحٍ عليه السلام إياهم عنها، فقال: أتعجَّبْتم (٣) أنْ جاءكم وعظٌ من ربِّكم وتذكير.
وقوله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ}؛ أي: من جملتكم.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٤٧٠).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٤٣).
(٣) في (ف): "أعجبتم".