الاحتكار ونقصِ المكيال والميزان لمصلحة الناس؟ فقال شعيب عليه السلام: إن في كتاب اللَّه المنزل: أن الملِك إذا كان بمنزلتك وصنع مثلَ ما صنعتَ يقال له: ملك تاجر ملعون فاجر، فقال الملك:
{لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا}؛ أي: آمنوا باللَّه مع إيمانك {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}؛ أي: ديننا.
وإنما ذكروا العَوْدَ مع أن شعيبًا لم يكن في دِينهم قطُّ لوجوهٍ:
منها: أن هذا خطابٌ لقومه وهم كانوا كذلك، ولئن كان شعيب في الخطاب فالغلبة لهم.
ومنها: أنهم توهَّموا أنه كان فيه.
ومنها: أن العود في معنى الصيرورة، ويذكر في غير تحقيق الرجوع، قال تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} يس: ٣٩؛ أي: صار، وقال الشاعر:
لئن كانتِ الأيامُ أحسنَّ مرةً... إليَّ فقد عادت لهنَّ ذُنوبُ (١)
أي: صارت.
قوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} الألفُ للاستفهام، وهو بمعنى الاستنكارِ، والواو للعطف؛ أي: أتخرجوننا من قريتنا ونحن كارهون لمفارقة الأوطان من غيرِ ذنبٍ منَّا، وهو أمرٌ منكر، وهو كقوله تعالى: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} غافر: ٢٨.
وقيل: أي: أولو كنا كارهِين للدخول في ملَّتكم مع ذلك تَحمِلوننا على ذلك.
(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي كما في "جمهرة أشعار العرب" (ص: ٢١٢)، و"أمالي القالي" (٢/ ١٥١)، و"العقد" لابن عبد ربه (٣/ ٢٣٤)، و"تفسير الثعلبي" (٢/ ٢٣٨)، و"خزانة الأدب" (١٠/ ٤٦١)، ونسب في "الأصمعيات" (ص: ٩٩) لغريقة بن مسافع العبسي.