ودلت هذه الآيةُ على (١) أن قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} من فرعون للملأ، فقد ذكر في هذه الآية جوابهم له قالوا: احْبِسه وأخِّرْ أمرهما حتى ننظرَ في أمرهما، فلا تقتلهما ولا تؤمِن بهما.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {أرجئه}؛ أي: أخِّره، هذا يدلُّ على تقدُّم شيء، فكأنه همَّ بقتله فقالوا: أخِّر قتله واحبِسه ولا تقتله؛ ليتبيَّن سحره عند الخلق جميعًا، ويدل على ذلك قوله: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} غافر: ٢٦ (٢).
وقال عطاءٌ الخراسانيُّ: {أرجئه}: أخِّره (٣)، وهو الأصح؛ لأنَّه لا (٤) يَثبت أنه حبَسهما، ويدل عليه قوله: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ} طه: ٥٨.
وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: توهَّم البائس أنهم بالتأخير، وتقديمِ التدبير، وبذلِ الجِدِّ والتشمير، يغيِّرون شيئًا من التقدير، ولم يعلموا أن القضاء غالب والحكمَ سابق، وعند حلول الحكم لا سلطان للعلم والفهم، كلا بل هو اللَّه الواحد القهَّار (٥).
وقوله تعالى: {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} وفي قراءة حمزة والكسائيِّ: {بِكُلِّ سَاحِرٍ} (٦).
والمدائن: جمع مدينة، والحاشر: الجامع.
(١) "على" ليس في (ف).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥٢٦).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٣٥٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٥٣٣)، من طريق عطاء عن ابن عباس.
(٤) في (ف) و (أ): "لم".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٥٦).
(٦) انظر: "السبعة" (ص: ٢٨٩)، و"التيسير" (ص: ١١٢).