منها، فركب (١) بعضُها بعضًا، وهرب الناس عنهم وانكشفوا، {فَأَوْجَسَ} موسى {فِي نَفْسِهِ خِيفَةً} (٢).
قيل: هو خوفُ طبعٍ.
وقيل: ظنَّ أن عصيَّهم صارت حياتٍ حقيقةً كعصاه.
وقيل: وهو قول الإمام أبي منصور رحمه اللَّه: خاف أن سحرهم يمنع أولئك عن رؤية حقيقة ما جاء به (٣).
فأوحى اللَّه تعالى إليه: {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} طه: ٦٨، وجاء جبريل صلوات اللَّه عليه حتى وقف عن يمينه وقال له: ألق عصاك، وذلك قوله تعالى:
* * *
(١١٧) - {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ}: وأضمر ها هنا: فألقاها {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}: قرأ عاصم في رواية حفص بالتخفيف، ومعناه: تبتلع، من حدِّ عَلِمَ.
وقرأ الباقون: {تَلَقَّفُ} بالتشديد (٤)، وأصله: تتلقَّف، وهي للتكلُّف والتكرُّر، وأُسقطت إحداهما تخفيفًا.
وقوله تعالى: {مَا يَأْفِكُونَ} تقديره: ما يأفكون به، أو: فيه. أي: يكذبون فيقولون: هي حياتٌ حقيقةً، أو: هي غالبةٌ معجزةَ موسى.
وقيل: {يَأْفِكُونَ}؛ أي: يصرفونه عن حقيقته بالتخييل، من قوله تعالى: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أي: يُصرفون.
(١) في (ر): "يركب".
(٢) قطعة من الخبر السابق عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٦١/ ٦٦ - ٦٧).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥٢٨).
(٤) انظر: "السبعة" (ص: ٢٩٠)، و"التيسير" (ص: ١١٢).