ضريبته غُلَّتْ يمينُه إلى عنقه شهرًا، وأما النساءُ فيَغزلن الكتَّان وينسُجْنَه (١).
وقوله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}: أي: هذا الإيذاءُ باقٍ بعد مجيئك يا موسى، بل زائدٌ.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أي: كنا نُطعَم إذا استعملونا من قبلِ أن تجيئنا، فلما جئتنا استعملونا ولم يُطعمونا.
وقيل: كانوا يكلِّفونهم قبل ذلك ضرب اللَّبِن، وبعد ذلك كلَّفوهم (٢) ضرب اللَّبن بالتبن من عندهم.
وهذا يدلُّ على قلَّة أفهامهم، فإن موسى عليه السلام أطمَعهم في أن اللَّه يُورثهم الأرضَ وتكونُ العاقبة للمتقين، فقالوا له: أمَا تشاهدُ قهرَ فرعون إيانا (٣)، وقتلَه أبناءنا، واستعبادَه نساءنا، وأخذَه الجزية منا كما كان قبل مجيئك منه في حقِّنا، فكيف يزول عنَّا قهره؟
وليس هذا بسؤالٍ صحيح على ما قال، فإنه قال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وقد تَقْربُ مدةُ ذلك وقد تَبْعد، وقد أمرهم بالصبر إلى مجيئها.
ولمَّا تكلَّموا بهذا بان لهم وجهُ زوال قهر فرعون وكيفية العاقبة، وذلك قوله تعالى:
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ}: و (عسى) إطماعٌ، وهو من الكريم إيجابٌ؛ أي: اطمعوا في أن اللَّه يهلكُهم ويجعلُكم سكانَ أرضهم (٤).
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٢٧٢)، و"تفسير البغوي" (١/ ٩١)، و"تفسير الخازن" (١/ ٤٣)، و"البحر المحيط" (٢/ ٢٣)، و"روح البيان" (١/ ١٢٩).
(٢) في (أ): "كان يكلفهم. . . وبعد ذلك كلفهم" وهي ليست من (ف).
(٣) في (أ): "آباءنا".
(٤) في (أ): "أراضيهم".