وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}: أي: لا علمَ لهم أنها من اللَّه، وأنه (١) يمتحنُ عباده بالمحن ردعًا عن المعاصي وحثًّا على الطاعات.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: فإنْ قيل: ذكَر أنه أخَذ آلَ فرعون بالسنين (٢) وكان فيهم بنو إسرائيل، فما معنى التخصيص؟
قيل له: يحتمِلُ أن يكون ذلك لهم خاصةً دون بني إسرائيل، أو كان الجدب يضرُّ آلَ فرعون دون بني إسرائيل؛ لِمَا أنهم كانوا يأكلون للشهوة وبنو إسرائيل للحاجة، ومَن يأكل للحاجة كان أقلَّ حاجة ممن يأكلُ للشهوة، فإن لم يجدوا ما يأكلون للشهوة كان ذلك أضرَّ بهم، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤمنُ يأكل في معاء واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء" (٣).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: الكَفور لا يَرى فضلَ المنعِم فيلاحظَ الإحسانَ بعين الاستحقاق، ثم إذا اتَّصل به شيء مما يكرهُه تجنَّى وحملَ الأمر على ما تمنَّى:
وكذا المَلُول إذا أراد قطيعةً... ملَّ الأنيسَ وقال كان وكانا
{أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} المنفرِدِ بالإيجاد، هو الواحدُ ولكن بصائرهم مسدودة، وعقولهم عن شهود الحقيقة مصدودة، وأفهامهم عن إدراك المعاني مردودة (٤).
* * *
(١) في (أ) و (ف): "وأن اللَّه تعالى".
(٢) "بالسنين": من (ر).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥٤٣ - ٥٤٤). والحديث رواه البخاري (٥٣٩٣)، ومسلم (٢٠٦٠)، وأبو يعلى في "مسنده" (٥٦٣٣)، من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنه. ولفظ الصحيحين: "في معى واحد"، والمعنى واحد.
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٦٠).