الجبلُ يتهدَّم وينهار ويضطرب من تحت موسى حتى اندقَّ كلُّه.
وقيل: صار الجبل ذرَّاتٍ في الهواء، وهو الذي يُرى في الشمس إذا دخل شعاعُها في الكُوَى بتلك الكثرة.
وقوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}: أي: سقط مغشيًّا عليه؛ أي: لِهَيبةِ تلاشي الجبلِ بظهور آثار القدرة عليه.
قوله تعالى {فَلَمَّا أَفَاقَ}: أي: من غشيته {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ}.
قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: خرج هذا الكلام منه مخرج العادة عند رؤية الأفزاع (١) حسَبَ ما يجري على ألسنة الناس عند الأخطار، لا عن ذنبٍ يتذكَّرونه فيتوبون عنه.
ونظيرُ هذا التسبيحِ قولُ عيسى عليه السلام: {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} المائدة: ١١٦، وقولُ الملائكة: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} سبأ: ٤١، وقول الملائكة الذين تكلَّموا في أمر آدم عليه السلام: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} البقرة: ٣٢.
وذكرُ التوبة من غيرِ ذنبٍ كقول إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} الشعراء: ٨٢، وقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في كلِّ يوم مئةَ مرةٍ: "أستغفرُ اللَّه وأتوب إليه" (٢).
وقيل: أي: تبتُ إليك من سؤال الرؤية في الدنيا، فإنك إنما وَعدْتَها في الآخرة.
(١) في (ر): "الأقراع"، وفي (أ): "الأفراع".
(٢) رواه بنحوه البخاري (٦٣٠٧) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. ومسلم (٤٨٤) من حديث عائشة رضي اللَّه عنه، و (٢٧٠٢) من حديث ابن عمر رضي اللَّه عنهما.