الأوامر والنواهي، والوعدِ والوعيد، والأحكام والمواعظ، وبأنْ كلَّمتُك بلا واسطةٍ، وهذا يردُّ قولَ مَن يقول: إن السبعين الذين اختارهم موسى سمعوا كلام اللَّه تعالى؛ لأن في الآية بيانَ الاصطفاء، وهو تنصيص على التخصيص.
وقوله تعالى: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ}: أي: التَزِمْ ما أَلْزمْتُك، وقيل: أي: أَقبِلْ على ما أنزلتُه عليك، وقيل: أي: اعمَلْ به.
وقوله تعالى: {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي: إنعامي بهذه الأشياء وغيرِها، بالاجتهاد في الطاعة، وتبليغِ الرسالة، والنصيحةِ للأمة، والصبرِ على أعباء هذه الأمانة.
وقيل: أي: دُمْ على شكرك فقد كان الأنبياءُ كلُّهم شاكرين صابرين.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: فيه تسكينُ قلب موسى بعد منع الرؤية، كأنه قال: إنْ منعتُك شيئًا واحدًا أعطيتُك أشياء؛ اصطفيتُك بالرسالة، وأكرمتُك بشرفِ الحالة، وكلَّمتُك بلا واسطة، فاعرِفْ هذه النِّعمَ واشكر لي (١) عليها.
وقيل: فيه إشارةٌ لطيفة، كأنه قال: إنْ منعتُك عن مطلوبك، فلا تشكُني إلى قومك بعد رجوعك، وأنشدوا:
إنْ أَعْرضوا فهمُ الذين تَعَطَّفوا... كم قد وفَوا فاصْبِرْ لهم إن أَخْلَفوا (٢)
* * *
(١٤٥) - {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}.
وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}: هي جمعُ لوحٍ، وهو
(١) في (أ): "والشكر" بدل: "واشكر لي".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٦٨)، والعجز فيه: (وان جنوا فاصبر. . .).