وقوله تعالى: {أَخَذَ الْأَلْوَاحَ}: وقد كان وضَعها ليتفرَّغ لِمَا قصَد له لا رغبةً عنها، فلما فرغ عاد إليها فأخذها.
وقوله تعالى: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ}: أي: وفيما نُسخ له فيها من اللوح المحفوظ، والنسخ: النقل، ومنه: نسخُ الحُكم، ونسخ الشمسِ الظلَّ، فيقتضي نقلَ مكتوبٍ من أصلٍ إلى آخر، وقد يُطلق على الكتابة وإن لم يكن من أصلٍ آخرَ؛ قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} الجاثية: ٢٩ فعلى هذا يكون معناه: وفيما كُتب فيها هدى ورحمة.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن ما انكسر منه أُعيد له في لوح آخر.
وعن عمرو بن دينار قال: صام موسى عليه السلام أربعين يومًا فأُعطي الألواح، فلما ألقاها وتكسَّرت صام مثلَها فأُعيد له مثلُها (١)، وقد بينَّا ما في أصل هذا الكلامِ من الخلل.
وقوله تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}: أي: يخشَون اللَّه تعالى، فيأخذون بهداه ويَقبلون ما فيه لينالوا رحمته.
وإنما قال: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ولا يجوز: يرهبون لربهم؛ لأن المفعول إذا تقدَّم ضعُف عملُ الفعل فيه، فصار كالذي لا (٢) يتعدَّى في دخول اللام عليه، وهو كقوله: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}.
وقيل: هو في معنى: مِن أجْلِ، ويجوز فيه اللام تقدَّمَ أو تأخَّرَ، كما قال تعالى: {رَدِفَ لَكُمْ} النمل: ٧٢.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {وَفِي نُسْخَتِهَا}؛ أي: وفيما انتَسخ بنو إسرائيل
(١) ذكر القولين الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ٢٨٧)، والبغوي في "تفسيره" (٣/ ٢٨٥).
(٢) "لا": من (أ) و (ف).