من الألواح {هُدًى} من كلِّ ضلالةٍ، وبيانٌ من كلِّ عمًى وشبهةٍ، {وَرَحْمَةٌ} من كل غضبٍ ولعنة، {لِلَّذِينَ} يخشون ربهم فيعملون به (١).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} يشير إلى حُسن إمهال اللَّه العبدِ إذا تغيَّر عن حاله وغلَب عليه ما لا يُطيق، وإذا كان الأنبياءُ صلوات اللَّه عليهم يَغلبهم ما يَصرفهم عن الاختيار فكيف الظنُّ بمَن دونهم (٢).
* * *
(١٥٥) - {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}.
وقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا}: أي: من قومه، ونزعُ الخافض جائزٌ، وإذا نُزع نُصب الاسم، وقال الشاعر:
ومنَّا الذي اختيرَ الرِّجالَ سماحةً... وجُودًا إذا هبَّ الرياحُ الزعازعُ (٣)
أي: من الرجال، وقيل: {قَوْمَهُ} نصبٌ بوقوع {وَاخْتَارَ} عليه.
ثم قوله: {سَبْعِينَ} بدلٌ عنه، وهو بدلُ البعضِ من الكلِّ، كما في قولك: ضربتُ زيدًا رأسه.
وقال الكلبي رحمه اللَّه: اختار موسى سبعين رجلًا لينطلقوا إلى الجبل معه،
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٤٨).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٧٤).
(٣) البيت للفرزدق، وهو في "الجمل" للخليل (ص: ١٢٢)، و"الكتاب" لسيبويه (١/ ٣٩)، و"شرح نقائض جرير والفرزدق" لأبي عبيدة (٣/ ٨٢٢)، و"الكامل" للمبرد (١/ ٣٢)، و"تفسير الطبري" (١٠/ ٤٧٢).