(١٨٤) - {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ}: وهذا تعجيبٌ من اللَّه تعالى عبادَه من مقام الكفار على التكذيب بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتسميتِهم إياه مجنونًا مع علمهم ما الجنون ووجودِهم إياه منزَّهًا عنه، وسماه صاحبَهم لأنه نبيُّهم يصحبهم ويخالطهم.
قال قتادة: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا ما يحذِّرهم عقوبةَ اللَّه تعالى، فقام على الصفا ليلًا وجعل يدعو قريشًا فخذًا فخذًا: (يا بني فلان، يا بني فلان) إلى الصباح، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوِّت إلى الصباح! فنزلت الآية (١).
وقوله: {مِنْ جِنَّةٍ}؛ أي: جنونٍ، من مسِّ الجنِّ.
وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}: أي: ما هو إلا مخوِّفٌ ظاهر.
* * *
(١٨٥) - {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}.
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: هو (٢) نظرُ القلب بالتفكُّر. والملكوتُ: الملكُ الأعظم.
وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} عطفٌ على {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} معناه: في جميع مخلوقات اللَّه تعالى من الأشياء.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٦٠٢)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٢٤) عن قتادة قال: (ذكر لنا أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على الصَّفا فدعا قريشًا، فجعل يفخِّذُهم فخذًا فخذًا. .). وانظر: "الكشاف" (٢/ ١٨٢)، و"تفسير البيضاوي" (٣/ ٤٤)، وفيهما: (.. بات يهوت. .)، ومعناه: يصيح.
(٢) في (أ): "هذا".