ثم معنى الاستغاثة -مع سبقِ الوعد بإحدى الطائفتين، وكذا الكراهة الطبيعيَّة الشديدة حتى شبِّهت بالسَّوق إلى الموت- ما ذكره الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: أن الآية تحتمل وجوهًا:
أحدها: أن اللَّه وعد نبيَّه عليه الصلاة والسلام، وهو لم يبيِّن لهم بعدُ.
والثاني: أنه يبيِّن لهم لكن لم يعرفوا وقته، فلم يأمَنوهم للحال (١).
والثالث: أنهم علموا ذلك بالوعد، لكن هذا كراهةُ طبعٍ لا تخلو النفسُ عنه مع تيقُّن القلب بالوعد.
والرابع: أن يكون النصر موعودًا لهم بالتضرع والاستغاثة، فكان خوفهم من التقصير في ذلك الشرط.
والخامس: أنه محنةٌ امتحنهم اللَّه تعالى بها ليثابوا عليها؛ قال اللَّه تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} الآية البقرة: ١٥٥ (٢).
وقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}: قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بفتح الدال، وقرأ (٣) الباقون بكسرها (٤).
وقد ردِفه؛ أي: جاء بعده، وأَردفه (٥) غيرُه، وقد يجيءُ أردف بمعنى رَدِف لازمًا، قال الشاعر:
إذا الجوزاءُ أَرْدَفتِ الثُّريَّا... ظننتُ بآلِ فاطمةَ الظُّنونا (٦)
(١) في (ر): "في الحال".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ١٥٩).
(٣) في (أ) و (ف): "وقرأها".
(٤) انظر: "السبعة" (ص: ٣٠٤)، و"التيسير" (ص: ١١٦)، والقراءة بفتح الدال فيهما عن نافع فقط.
(٥) في (ف): "وردفه".
(٦) البيت لخزيمة بن نهد كما في "الأغاني" (١٣/ ٨٥)، و"جمهرة الأمثال" للعسكري (١/ ١٢٣)، =