وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}: متصلٌ بقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وقولهِ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}.
والخيانة: خلاف الأمانة.
وقيل: أصلها الإخفاء، من قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} غافر: ١٩.
وقيل: هي منع حقٍّ ضُمِن أداؤه.
وقال محمد ابن إسحاق: أي: لا تُظهروا للرسول ما يُرضيه منكم ثم تخالفونه في السر (١).
ومن ذلك: إظهارُ الطاعة في كلِّ شيء ثم المجادلةُ في أمر الغنيمة، أو الخروجُ إلى القتال المأمورِ به مع الكراهةِ أو تسخُّطِ قَدْرِ ما يعطي عند القسمة.
وقوله تعالى: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أي: ولا تخونوا أماناتكم (٢)، وهو معطوف على الأول، وجزمُه بالنهي، وعلامة الجزم حذفُ النون.
وقال السدِّي رحمه اللَّه: أي: إذا خنتُم الرسول فقد خنتُم أماناتكم (٣). وهو على هذا واوُ الصَّرف، وهي ناصبةٌ، وعلامة نصبه حذفُ النون، ومعناه: أن حقوق الشرع
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٢٤) بلفظ: (لا تظهروا للَّه من الحق ما يرضى به منكم ثم. . .)، ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٨٤) من طريق ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير بلفظ: (لا تظهروا له من الحق. . .) وبهذا اللفظ ذكره ابن هشام في "السيرة النبوية" (١/ ٦٦٩) عن ابن إسحاق. فكلمة: (له) تحتمل اللَّه سبحانه وتحتمل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومحصل الكل واحد.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٢٤).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٢٣).