أماناتٌ عنده قد قبِلها وضمِن أداءها، فإذا خان الرسول فقد خان هذه (١) الأمانات.
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: أي: أنها أمانةٌ، وما فعلتُم خيانةٌ؛ أي: وأنتم تعلمون إثم الخيانة وعقوبةَ الخيانة.
* * *
(٢٨) - {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}: أي: محنةٌ يَظهر بها مُؤْثِرُ حقِّ اللَّه من مُؤْثِر حقِّ نفسِه.
والحامل على الخيانة في الغالب: حبُّ الأموال والأولاد، وتركُ الخروج إلى الجهاد طوعًا وطبعًا كذلك، فبيَّن اللَّه تعالى أنها فتنةٌ وداعيةٌ إلى الخيانة ومُخلَّة بالأمانة.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}؛ أي: إن أموالكم وأنفسَكم للَّه، وهي عندكم أمانة استحفظَكم فيها، فلا تستعملوها في غير ما أذن لكم فيه لأنه خيانة، {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}؛ أي: ولا تخونوا أماناتكم التي فيما بينكم.
ومعنًى آخرُ: أن اللَّه تعالى تعبَّدهم بما يرجع إلى منافعهم، فإذا خالفوا فقد خانوا أنفسَهم فضرُّوا أنفسَهم (٢)؛ قال اللَّه تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (٣) النحل: ٣٣، وقال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} الإسراء: ٧، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} فصلت: ٤٦ (٤).
(١) "هذه" ليست في (ف).
(٢) "فضروا أنفسهم" ليس من (ف). ولفظ "التأويلات": (خانوا أنفسهم وخانوا أماناتهم).
(٣) في "التأويلات": {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} البقرة: ٥٧.
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ١٨٣ - ١٨٥).