الذين ينقضون العهدَ {فِي كُلِّ مَرَّةٍ}؛ أي: في كلِّ حينٍ وعامٍ، فنقضوا العهد يومَ الخندق حين ركب كعبٌ إلى أهل مكة فوافقهم على مخالفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (١). وكذلك قال مجاهد (٢).
وكان السبب في نقضهم العهد: أنهم كانوا سكان المدينة، فلما رأوا علوَّ أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حسدوه، فطابَقوا المشركين وأظهروا لهم المظاهرة إن احتيج إليهم.
* * *
(٥٧) - {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
وقوله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ}: (إمَّا) كلمتان: (إنْ) التي هي للشرط، و (ما) التي هي للتأكيد، ولذلك أدخل نون التأكيد في {تَثْقَفَنَّهُمْ} كما تكون في القسم؛ لأن كل واحد منهما للتأكيد.
والثَّقف: الأخذ بسرعة، يقول: فإن أظهروا نقضَ عهدك وكاشَفوك وبادَوك بالمحاربة فظَفِرْتَ بهم {فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}: أي: نكِّل هؤلاء تنكيلًا يكون سببًا لشرود مَن خلفهم؛ أي: نُفورهم وهربهم وخوفهم.
وقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}: أي: يتَّعِظون فيمتنِعون لهذا الخوف عن نقض العهد.
قال عطاء: أثخِنْ فيهم القتلَ حتى يخافَك غيرهم من أهل مكة وأهل اليمن (٣).
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٦٩).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٢٣٥)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٧١٩).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ٣٦٨)، والواحدي في "البسيط" (١٠/ ٢٠٧).