وإنما خَصَّ هذه الشهورَ الأربعة بالنهي عن ظلم النفس فيها مع أنه حرامٌ في كل وقت بيانًا أنه فيها أغلظ، وهو كقوله تعالى في حق مكة: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الآية الحج: ٢٥، والظلم في كل مكانٍ حرام، وقولِه تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة: ١٩٧ وكلُّ ذلك في كل وقت حرام، وقولِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في وعيدِ مَن زَنَى بحليلة الجار (١)، والزنا بكلِّ امرأةٍ حرام، فالتخصيص دلالةُ التغليظ في كل ذلك.
وقيل: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} بالبداءة بالقتال، ولا بأس بقتالِ مَن بدأكم له فيها.
وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}: أي: جميعًا.
وقيل: أي: لا تظلموا فيهن أنفسكم إذا قوتلتُم فيهن بأنْ تتركوا القتال، لكنْ قاتلوهم في هذه الحالة.
وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}: لا مع المشركين؛ أي: حافظُ المتقين وناصرُهم، وهم الذين يتقون الشرك.
وقيل: أي: الذين يتَّقون هتك حرمة هذه الأشهر.
وقيل (٢): الذين يتقون بدء المشركين (٣) بالقتال فيها.
وقال عطاءٌ الخراساني: أحلَّ اللَّه القتال في الشهر الحرام بقوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ
(١) رواه البخاري (٤٧٦١)، ومسلم (٨٦)، من حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه.
(٢) "وقيل" من (أ).
(٣) في (ف): "يتقون بداية المشركين"، وفي (ر): "يتقون الشرك".