وعدَّه ثانيَه، ثم هو في القبر ضجيعُه وفي الجنة رفيقُه (١).
وقال رجل من الشيعة: ما ظنُّك في خمسة سادسهم جبريل؟ فقال أبو يوسف: ما ظنُّك باثنين اللَّه ثالثهما.
وقالت الروافض في قوله: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}: لا يخلو إما أن يكون حزنُ أبي بكر طاعةً أو معصيةً، فإن كان معصيةً ففيه نقصانه لا فضلُه، وإن كان طاعةً فلمَ نهاه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟
قلنا: لم يكن حزنُه سوءَ الظنِّ بربه تعالى، ولا استبطاءً لنصره، لكنْ شفقةً على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحبيبه، وكان (٢) ذلك شيئًا نشأ عن طبعه ولا نقصَ في مثله.
ثم نعارضهم بخوف موسى وهارون عليهما السلام، وقال اللَّه تعالى لهما: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا} طه: ٤٦ إلى آخر السؤال حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة (٣)، على أنهما قالا: {إِنَّنَا نَخَافُ} طه: ٤٥، وليس في القرآن أن أبا بكر رضي اللَّه عنه قال: إني أحزن، وقد قال أبو بكر رضي اللَّه عنه في شعره:
قال النبيُّ ولم أَجْزع يوقِّرني... ونحن في سُدفةٍ من ظُلمةِ الغارِ
لا تَخْشَ شيئًا فإنَّ اللَّه ثالثُنا... وقد تكفَّل لي منه بإظهارِ
وإنما كيدُ مَن تَخشَى بوادرَه... كيدُ الشياطين قد كادَتْ بكفَّارِ
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٢٧).
(٢) في (ف): "أو كان"، وفي (ر): "ولكن".
(٣) أي: كما تُقَدَّر كلُّ واحدةٍ منهما على قَدْر صاحبتها وتُقْطَع، يُضرب مَثَلًا للشيئين يستويان ولا يَتفاوتان. والقُذَّة واحدة القُذَذ: وهي رِيشُ السهم، ومنه الحديثُ: "لتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَن كان قبلَكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة". انظر: "النهاية" (مادة: قذذ).