وقيل: الفقير: مكسور الفَقَار، فهو عندهم: مَن سقط اختيارُه، وتعطَّلت عنه ديارُه، واندرست في استيلاءِ مَن اصطَلَمه آثارُه، وكأنه لم يبق منه إلا أخبارُه، قال الشاعر:
أما الرُّسومُ فمُخْبِراتٌ أنهم... رحَلوا قريبًا من جِوار المنزلِ (١)
وأما المسكين: فهو الذي أسكنَتْه حالتُه بباب معبوده، لا يَبرح عن سدَّته، فهو معتكِفٌ بقلبه، لا يغفل لحظةً عن ربِّه، وهي مراتبُ الحاجة والفقر والمسكنة:
فذو الحاجة: مَن يرضى بدنياه وتسدُّ الدنيا فقره.
والفقير: الذي يكتَفي بعُقباه وتَجبُر الجنة فقرَه.
والمسكين: الذي لا يرضى بغير مولاه، لا إلى الدنيا يلتفت، ولا بالآخرة يشتغل، ولا بغير مولاه يكتفي.
* * *
(٦١) - {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ}: أي: ومن المنافقين قومٌ يؤذون النبيَّ عليه السلام.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: لم يبيِّن بماذا يؤذونه؟ فيحتمِلُ أنهم كانوا يُؤذونه بتكذيبه وتركهم إجابتَه وطاعتَه، ويحتمِل أنهم يؤذونه بكلماتٍ يُسمعونه وطعنٍ يَطعنون به.
وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} قال أبو عَوسجةَ: هو الذي مَن قال له شيئًا
(١) "من جوار المنزل" من (ر)، وليس في (أ) و (ف) و"اللطائف".