وقوله تعالى: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: أي: يبذلون أنفسهم وأموالهم في طاعة اللَّه والجهاد لأعدائه على إعلاء كلمته.
{فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}: أي: تارةً هم يقتلون العدوَّ وتارةً يقتلهم العدو، فإذا فعلوا ذلك فقد سلَّموا ما باعوا واستحقُّوا بوعد اللَّه ثمنَ ما أَعطوا وهو الجنة، وهذا مستعارٌ من الكلام تشبيهًا بالبيع المعروف الذي حقيقتُه إعطاء شيء وأخذُ (١) بدلٍ عنه.
وقرأ حمزة والكسائي: {فيُقتَلون} بضمِّ الياء وفتح التاء على ما لم يسمَّ فاعله {ويَقْتُلون} على عكسه على الفعل الظاهر (٢)، وهذا أدلُّ على ثبات قلوبهم وجرأتهم على عدوهم (٣)، وأنهم لم ينكسروا لِمَا جرى على بعضهم، كما قال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا} (٤) الآية آل عمران: ١٤٦.
وقوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ}: {وَعْدًا} نصبٌ على الحال من قوله: {بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، أو معناه: بوعدٍ عليه حقٍّ، فنُصب بنزع الخافض، ومعناه: عهدًا عليه لازمًا أَوحى به إلى أنبيائه وأثبته في كتبه.
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}: استفهامٌ بمعنى النفي، وهو بيانٌ أن المراد من الوعد المذكور قبله هو العهد.
وقيل: بل المراد من هذا العهدِ هو الوعد، وهو بيانٌ أن الشراء ليس على حقيقته، وهو مبادلةٌ صورةً ومواعدةٌ معنًى.
وقوله تعالى: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ}: أي: فافرحوا به فإنكم
(١) في (ف): "واحد".
(٢) انظر: "السبعة" (ص: ٣١٩)، و"التيسير" (ص: ٩٣).
(٣) "على عدوهم" ليست في (أ).
(٤) في (ر): "وكأين من نبي قاتل معه. . . "، وكلها قراءات سبعية.