غزوٍ، ولا أنْ يَضِنُّوا بأنفسهم حتى ينفرد هو بتحمُّل المشقَّة دونهم، بل يلزمُهم جميعًا أن يخرجوا معه.
وقوله تعالى: {وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أي: ولا أن يرغبوا، عطفًا على الأول، والرغبة: طلب المغفرة، فقولك: رغب في كذا؛ أي: طلب المنفعةَ به، وقولك: رغب عن كذا؛ أي: طلب المنفعة بتركه، ومعنى {وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}؛ أي: يطلبوا المنفعة بتوقيَةِ أنفسهم دون نفسِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال قطربٌ: أي: لا يَكرهوا لأنفسهم ما يَرضاه الرسولُ لنفسه.
وقال أبو الهيثم السِّجْزيُّ (١): أي: لا يكونوا أشفقَ على أنفسهم منهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال ابن كيسان: أي: لا يرضَوا أن يكونوا في خَفْضٍ ودَعةٍ ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شدةٍ ونصَب.
وقال القشيري رحمه اللَّه: أي: ليس لهم أن يُؤْثِروا على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا من أهل وولد ومال ونفسٍ وروح، ولا يخسرون بذلك به (٢).
ثم وصل به ما يحرِّكهم به عليه، وهو قوله تعالى:
(١) لعله عبيد اللَّه بن عبد اللَّهِ السِّجزِي أبو الهيثم، يروي عن أبي إسحاق السَّبيعِي، روى عنه ابنه حسين بن عبيد اللَّه. انظر: "الثقات" لابن حبان (٧/ ١٤٧). وفي موضع آخر من "الثقات" (٨/ ٤٠٤): عبيد اللَّه السجزِي أبو الهيثم يروي عن سُفْيان الثوْريِّ روى عنه قُتيبة بن سعيد الحكلايات. وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي (٤/ ٦٨٨): عُبَيْدُ اللَّه بن محمدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بن سِنَان بن طُغَانَ التُّرْكيُّ الخُراسانيُّ السِّجْزِيُّ الفقيهُ، أبو الهيثم، توفي (١٧١ - ١٨٠ هـ)، كان جَدُّه مُتَولِّيَ إمر، خراسانَ، وقد أُدخل عُبيدُ اللَّه وهو صغيرٌ على الحسنِ البَصريِّ وسَمع من أيوبَ السَّخْتِيَانيِّ، وهشامِ بن حسَّان، وابنِ إسحاقَ. وعنه: عثمانُ بنُ زائدةَ وهو أكبرُ منه، وابن المبارك، وغيرهما، كان من كبار الفقهاءِ، وما رأيتُ لأحدٍ فيه تضعيفًا.
(٢) "به" من (ف)، وفي "اللطائف": (وليس يخسرون على اللَّه، وأنى ذلك؟). انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٧٢).