وعاصم وحمزة والكسائي؛ أي: يخدعنا بتخاييله، ويقودنا إلى الانقياد له، ويعرِّضُ أنفسَنا وأهاليَنا وأولادَنا للتَّلَف في مجاهدة عدوِّه.
وقرأ الباقون: {لسحرٌ مبينٌ} (١)؛ أي: إنَّ هذا الَّذي أتى به لَسِحْرٌ ظاهرٌ.
وقال الأستاذ أبو عليٍّ الدَّقاقُ: جوَّزَ الكفَّار أن يكون المنحوت مِن الخشب والمعيول مِن الصُّفر والشَّبَه (٢) إلهًا معبودًا، وتعجَّبوا أنْ يكونَ مثلُ محمَّدٍ في جلالةِ قَدْرِهِ رسولًا مبعوثًا، هذا هو الضَّلال البعيد.
وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ}: هو ما قدَّموه لأنفسِهم مِن طاعات أخلصوا فيها، وعباداتٍ صدَقوا في القيام لها.
وقيل: هو ما قدَّم الحقُّ لهم يومَ القيامةِ مِن عنايتِه بشأنهم، وما قضى لهم مِن فنون إحسانِه.
وقيل: هو ما رفعوه مِن أقدامِهم في بدايتهم في زمان إرادتهم؛ فإن لأقدامِ المريدِيْن المرفوعةِ لأجل اللَّهِ حُرْمَةً عندَ اللَّهِ، ولأيَّامِهم الخالية في حال تردُّدهم، ولياليهم الماضية في طلبه وهم في حرقةِ تحيُّرهم = حقًّا يرعاه اللَّه، قال الشَّاعر:
مَن ينسَ حُرْمَةَ دارٍ قَدْ تَخَوَّنَها... رَيْبُ الزَّمانِ فإنِّي لسْتُ أنساك
(١) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٣٢٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠).
(٢) الشَّبَه، النحاس الأصفر، والصُّفر: النحاس الجَيّد، وقيل: هُوَ ضَرْبٌ من النُّحَاسِ، وقيل: هو ما صَفرَ منه، ورجَّحه شيخُ الزبيدي؛ لمناسبة التَّسْمية. انظر: "تاج العروس" (مادة: صفر). ولم ترد كلمة "الشبه" في "لطائف الإشارات"، والكلام منقول منه، وقد غير محققه كلمة الصفر إلى: (الصخر) مخطِّئًا ما جاء في نسخ "اللطائف" من كلمة (الصفر).