ولو يعجِّلُ اللَّهُ للنَّاس الشَّرَّ باكتسابِهم الشَّر وارتكابهم إيَّاه كما يعجِّل لهم الخير وقتَ اكتسابهم الخيرَ لهلكوا (١).
وقوله تعالى: {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: وهذا ابتداءُ كلامٍ معناه: فحن نذَر؛ أي: نترك الذين لا يخافون البعثَ في تماديهم يمضون متحيِّرين.
وقيل: فيه مُضمَرٌ: لكنَّا لا نفعلُ ذلك ونؤخِّر عذابهم إلى الآخرة، وندَعُهم في الدُّنيا كذلك.
قال القشيريُّ رحمه اللَّه: معناه: لو أجبناهم إذا دعوا على أنفسِهم وأعزَّتهم عندَ غيظِهم وضجَرِهم لعجَّلْنا إهلاكَهم، لكنَّا تحمَّلْنا أنْ لا نجيبهم، وبرحمتنا عليهم لا نسمعُ بالإجابة دعاءَهم، وربَّما يشكو العبدُ بأنَّه لا يجيبُ دعاءَه، وتركُ إجابتِه لطفٌ به منه، قال الشَّاعر:
أناسٌ أعرَضوا عنَّا... بِلا جُرْمٍ ولا مَعنى
أساؤوا ظنَّهم فينا... فهلَّا أحسنوا الظَّنَّا
وإنْ كانوا لنا كُنَّا... وإنْ عادوا لنا عُدْنا
وإنْ كانوا قد استغنوا... فإنَّا عنهم أغنى (٢)
* * *
(١٢) - {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٥).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٦٢٤) (٢/ ٨٣)، والشعر لمحمود بن الحسين كشاجم. انظر: "ديوانه" (ص: ٣٩٤) مكتبة الخانجي، تحقيق النبوي عبد الواحد شعلان.