وعندي مَن دخل في هذه الصِّفة من أهل الإيمان -وهي الدُّعاء عند البلاء وتركُه عند الرَّخاء- فهو مرادٌ بهذه الآية (١).
وأنشد القشيريُّ رحمه اللَّه في معنى قوله: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} قولَ الشَّاعر:
كأنَّ الفَتى لم يَعْرَ يومًا إذا اكتَسى... ولم يكُ صُعلوكًا إذا ما تموَّلا (٢)
* * *
(١٣) - {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: بينَ القرنَين ثمانٍ وعشرون سنة (٣).
{لَمَّا ظَلَمُوا}: كفروا باللَّه، وهو وضع الشَّيء في غير موضعِه، وهو ظلمُ نفسِه أيضًا.
وقوله تعالى: {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: وقد كانت جاءتهم رسلُهم بالحُجَج الواضحة.
{وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا}؛ أي: علمنا أنهم لا يؤمنون بدعاء الرُّسل وإظهار الآيات.
وقوله تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: كذلك نفعل بالمجرمين الذين نعلمُ أنَّهم لا يؤمنون، فنحن قادرون على معاجلة هؤلاء المستعجلين بالشَّر،
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٦).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٠٢). والبيت لجابر بن ثعلب الطائي. كما في "ديوان الحماسة" لأبي تمام (ص: ١١٠).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٢٢).