منها غيرُه: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ}؛ أي: فقالوا: ربَّنا لَئِنْ خلَّصْتَنا مِن هذه الرِّيح {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} لَكَ، لا نُنْكِرُ نعمَتَكَ، ولا نعبدُ غيرَكَ، ولا نشرِكُ بِكَ شيئًا.
* * *
(٢٣) - {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ}: أي: منها {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}؛ أي: عادوا إلى خلافِ الشُّكر، واستطالوا في الأرضِ على النَّاس، بغير أن يكون ذلك مباحًا لهم فيكون حقًّا، وقهرُوهم وسلبُوهم وقتلُوهم ونسُوا عهودَهم.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}: أي: بغيكُم يجلبُ إلى أنفسِكُم المكارِهَ، فهو أوقعُ عليكم، ضارٌّ بكم.
وقوله تعالى: {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: قرأ عاصم في رواية حفص بالنَّصب على الحال أو القطع، والباقون بالرَّفع على إضمار (هو) أو (ذاك) (١).
أي: ومدَّةُ البغي وصاحبِه مدَّةٌ قليلة في الدُّنيا، كالشَّيء يُتَمَتَّعُ به ثمَّ ينقضي.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ}: في الآخرة {فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: فنخبرُكُم بذلك، ونجزيكُم عليها.
وقال محمَّد بن كعب القرظيُّ: ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البغيُ والنَّكثُ والمكر؛ قال اللَّهُ تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} فاطر: ٤٣، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} الفتح: ١٠ (٢).
(١) انظر: "السبعة في القراءات" (ص: ٣٢٥)، و"التيسير" (ص: ١٢١).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١٠/ ٣١٨٧)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٧/ ٣٦) إلى عبد بن حميد وابن المنذر.