وقوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}: أخبرَ أنَّ موسى لم يضعفْ قلبُه لقلَّة مَن آمن مِن قوم فرعون، بل قال لِمَنْ آمنَ به منهم: على اللَّه توكَّلوا، ولا تخافوا فرعونَ وملأه.
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: فيه دلالة أنَّ الإيمانَ والإسلامَ واحدٌ؛ لأنَّه بَدأَ بالإيمان وخَتَمَ بالإسلام، وإنَّما جمعَ بينَهما لأنه يشير إلى زيادةِ فائدةٍ مع أنَّ الأصلَ واحدٌ، فإنَّ الإيمانَ هو اعتقادُ تركِ تضييع كلِّ حقٍّ، والإسلامَ اعتقادُ تسليمِ كلِّ حقٍّ، ولأنَّ الإيمانَ هو التَّصديق بكليَّة الأشياء فيما فيها الشَّهادة للَّه تعالى بالرُّبوبيَّة والألوهيَّة، والإسلامَ هو جعلُ كلِّ الأشياء للَّه تعالى سالمة (١).
وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: بيَّنَ أنَّه لا يُكتَفى بالأقوال، بل لا بدَّ مِن صدقِ الأحوال.
وحقيقةُ التَّوكُّل: توسُّلٌ يتقدَّمُه تنصُّل، ثمَّ يَعلمُ أنَّ نجاته بفضلِ اللَّه تعالى تحصل، لا بما يأتي به من التَّكلُّف والتَّعمُّل (٢).
* * *
(٨٥) - {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
وقوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا}: أجابوه إلى ما أمرَهم به.
وقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}: قال مجاهدٌ: له معنيان:
أحدُهما: لا تعذِّبْنا بأيدي قوم فرعون، وهو كقوله تعالى: {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} يونس: ٨٣.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٧٦).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١١٢).