وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا}؛ أي: أهلكْهم كفَّارًا (١).
وقال مجاهد: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}: بالضلالة، {فَلَا يُؤْمِنُوا}: باللَّه تعالى بما يرون مِن الآيات {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (٢).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: هذا محمولٌ على أنَّ اللَّه تعالى أخبرَ موسى عليه السلام أنَّهم لا يؤمنون، فيَسَعُه (٣) هذا الدُّعاء، كما أخبر اللَّه تعالى نوحًا أنَّه لن يؤمن مِن قومِك إلَّا مَن قد آمن، فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} نوح: ٢٦، فأمَّا قبل أنْ يخبرَه بذلك فلا يسعه أن يدعوَ بهذا الدعاء، وهو إنَّما أرسلَه إليهم ليدعوهم إلى الإيمان (٤).
وهذه الآيةُ دليلٌ على أنَّ الدُّعاء على الغير بالموت على الكفر لا يكون كفرًا، ولا يكون رضًا بالكفر، ولا استحسانًا له، بل هو غاية استقباح له، فإنَّه لا يدعو به على أحدٍ إلَّا وعنده أنَّه أفحش جنايةٍ، وعليه أعظم عقوبةٍ.
* * *
(٨٩) - {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
وقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}: والدُّعاء كان مِن موسى عليه السلام وحدَه في الظَّاهر؛ فإنه قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا}، وإنَّما قال: {دَعْوَتُكُمَا} لوجوه:
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٢٦٦)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٩٧٩).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٢٦٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٦/ ١٩٧٩).
(٣) قوله: "فيسعه" هنا معناه واللَّه أعلم: فيسوغ له ويحق له.
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٧٩).